مامعنى كلمة الحياة ؟
ينخر هذا السؤال كالسوس فى نفس زين العابدين محمود كل ليلة وهو خارج من القهوة بعد أن كوموا مقاعدها واطفأوا انوارها . يخف اليها قبل الغروب فيجد زملاؤه الموظفين وقد اجتمعوا على الكافتيريا التى بآخر البلدة وقد اجتمعوا حول ( الطاولة ) . ويدور رحا اللعب بينهم . لاينقطع لحظة واحدة . وكأنها معارك حربية فى غليانها وقعقتها . يتساقى اللاعبون كؤوسا مترعة من رحيق الفوز ومرارة الهزيمة ؛ فينهلون من وهمها ويسكرون . وزين لا يلعب بل يكتفى بتتبع الحجارة والزهر بشغف كبير . وعلى الطربيزة المجاورة له بعض من اصدقائه يلعبون الدومنيو . يلتوى رأسه ذات اليمين وذات الشمال ؛ كعروس ميكانيكية انفلت ضابطها . وهكذا هو أيضا فى الحياة يعيش على هامشها ؛ ويلوذ بالشاطىء خوفا من تيارها . عواطفه موزعة ؛ تارة عن الغالب ؛ وتارة مع المغلوب ماعليه سوى المراقبة فقط فانه محايد محروم من لذة المشاركة فى الصراع يتسلى بمقدرته على الموازنة بالعدل والقصاص . اذا دار الحديث فعن العمل والوظائف والدرجات حتى كأنهم الابل ؛ يجترون بالليل ما أكلوه بالنهار .. أى عقل شيطانى تفتقت حيلته عن اختراع هذه الطاولة ؟ هى لعبة ساذجة متشابهة متكررة . ومع ذلك لاينقطع سحرها كأنها الحشيش او الأفيون .
خرج زين من الجو المكتوم المفعم بالأدخنة والضجيج ؛ وانطلق الى الطريق . تلوح فوقه بوادر رياح تلفظ بمافيها من عبير الحدائق والجناين والأراضى الزراعية التى على مرمى البصر والتى تكاد الروح ترشفها من فرط صفائها . تناثرت فيها نجوم لامعة وأخرى خابية ؛ لايكاد النظر يستوعبها فى مواقعها ؛ حتى تجد الأذن ان هذه النجوم المبعثرة مختلفات الألوان ينظمها نغم حلو جميل . لكل لون منها نصيب فى ايقاعه ؛ ولكنه نغم خاف تشعر به الأذن ولاتتبينه ؛ كأنما هى ايضا عين . ترى ولا تسمع .
وبدأ زين سيرة الى منزله وهو حين يشعر يحجبه عن الانظار يلذ له ان يحتضن افكاره ويختلى بها ؛ فيسرح ذهنه ؛ وتعود اليه الذكريات القديمة عيناه تتكلم تاره بالسرور وتارة بالحزن . ويهتز رأسه مرة بالعجب ومرة بالحسرة . وقد يتمتم باسما , وقد تحدث شفتاه هذه ( المصة ) الضئيلة التى يعبر بها المصريون غن بعض مايجيش فى قلوبهم من توجع وعطف ورثاء .... آه , انه الليلة آسف على حياته . نادم من جديد . اما يأتى اليوم الذى يتاح له فيه ان ينسى كيف القى بنفسه فى وزارة هو كاره لها ولكنها الأقدار شاءت له ان يكون فيها وأبت على صديقه العزيز ان يكون بها أيضا مع العلم أنه هو الذى كانى الساعى لها ولكن ماذا نقول للأقدار شئنا أم أبينا سوف تسير الى ما أراده الله وكيف انه نكص عن الزواج بما كان يقول انه يحبها ولكنه كان حب وهمى صحى منه على حقيقتها المرة وهى انها لم تحبه فقط بل كانت تريد صاحبا لها تتميز به عن قريناتها فى المدرسة وكيف علم بحقيقتها المرة وتركها لكى تتزوج بغيره وتبعد عن ناظريه بتاتا الى القاهرة أم الدنيا لتعيش عيشة لم تكن فى الحسبان ولكنها الأقدار وماقد قسمه الله لكل منا وارتضى بالزواج من شابه كان يميل اليها وكانت ذات حسن وجمال وطيبة واصل طيب وكانت على خلق والتى بعد ذلك قد خلبت لبه وسحرته ورضى بالزواج منها ونسى كل مافات من الذكريات .
ولكنه بعد ان انغمس فى الوظيفة وكان كاره لها زاد من كره لها هو الانسان الذى كان اعلى منه رتبه وكان المسيطر على الأمر وكانت نفسه مريضة وكانت علته هو عدم رؤية من هم احسن منه فى أى شىء كان يريد ان يكون هو المسيطر وهو الأحسن فى هذا المجال فكان كلما يراه يكتب على الآلة الكاتبة كان يقفل له الآلة وكان يعطى لرؤسائه صورة مخالفة للواقع عن زين ومما زاده كرها له وللعمل انه حينما اراد ان يعلم قادته بهذا الأمر كانت هناك صورة قاتمة قد زرعها هذا الشخص فيهم فلم يسمعوا منه بل زجروه وقالوا له افعل مانقوله لك أو ننقلك الى مكان بعيد . فما كان من زين الا انه نفث عما بداخله حتى لو أدى ذلك الى ذهابه الى هذا المكان البعيد وقال لرؤسائه اريد ان احس بنفسى وان اعمل واجعل الحلال فيما قسمه الله لى من مال فأنا لالأفعل شيئا يذكر . فكان كأنما يقاتل فى حجر لايجنى منه سوى التعب والجروح التى سوف تطوله فبدأ ينطوى على نفسه وقال لنفسه يجب أن أحلل قرشى لاأريد أن يأكل أولادى حراما فبدأ يعمل أشياء مفيدة يشغل بها وقته أخذ يزرع فى الجنينة الملحقة بالعمل فلما رأه زميله يفعل ذلك وقد أثنى عليه رؤسائه بدأ هو الآخر يفعل ذلك فتركها زين له . ثم دخل عصر الكمبيوتر للوزارة فبدأ المقربين من الرؤساء هم من يستولون على التعليم على الكمبيوتر فكانت هناك حرب بينهم على من يتقرب من الرؤساء وكنت امقت هذه الحرب ولم ادخل فيها وتركتهم ولكنى قلت فى نفسى اريد ان اعمل لااريد ان اكون كالآلة المهملة التى لاتفيد شيئا يجب على ان اجاهد وادخل هذه الحرب ايضا فبدأت مجاراته وبحثت عن اناس يكونوا قريبين من الرؤساء لأشكوا لهم حالى فوجدت منهم انسان على خلق كان يعلم بكل شىء واراد ان يساعدنى وفو ذات يوم دخلت عليهم فى حجرة الكمبيوتر فوجدتهم وهم يتعلمون على الجهاز فنظر لى الشخص ذاته وقال لى ماجاء بك الى هنا اذهب الى المبنى الخاص بك ولا أريد ان اراك هنا ثانية فليس لك عمل هنا فقلت له انتم لاتعرفوا شيئا على الكمبيوتر وانا لو أردت ان ادخل معكم وأتعلم فلسوف أفعل وتركتهم وذهبت الى المبنى الخاص بى ولكنى كنت فى غاية الألم ودعوت ربى ان يمكننى منهم وكنت كلما أصلى كنت ادعوا بهذه الكلمات ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) فمكننى الله منه فبعد ان استمع القائد لكلمات الساعى تابعه وما قاله له عن استبداد هذا الشخص بى والمعلومات الخطأ التى اعطاها له علم بكل شىء وقال له اعلمه ان يأتى الى غرفة الكمبيوتر وكان الاتصال بى لأذهب الى غرفة الكمبيوتر . فلما دخلت وجدتهم كلهم هناك . فقال لى المهندس المختص بالكمبيوتر هل تستطيع الكتابة على الكمبيوتر قلت له نعم فلما قال لى اجلس على الكمبيوتر واكتب وجدت نفسى كأننى فى امتحان فبدأت دقات قلبى تزيد وأصبحت فى غاية التوتر ولم أستطيع أن أسيطر على أعصابى ولم استطع الكتابة مضبوط وكانت الأحرف تتوالى كأنها السيل المنجرف فقال لى المهندس محمد هدىء من روعك واكتب براحتك انت لست فى امتحان فكان كلامه كأنه البلسم الشافى لجراحى وقلت فى نفسى لقد جاءتك الفرصة يجب ان تنتهزها فجلست برهة حتى هدأت ثم كتبت كأنى لم اكتب على كمبيوتر من قبل وكانت يدى سريعة فى الكتابة فقال لى المهندس يكفى اين كنت مخفى علينا . فرأيت شرارة تتطاير من هذا الشخص المسمى بياسر الأعلى من فى الرتبة ثم جاء لى زميل آخر ممن يتعلموا معى فى الكمبيوتر وربت على كتفى فى حنان وقال بارك الله لك سوف يطير واحد منا وذلك لأن القسم لايحتاج أكثر من 4 اشخاص فقط وبى أصبحوا خمسة . فقد مكن الله لى وأصبحت الأفضل بينهم جميعا وزاد حب القائد لى ومهندس الكمبيوتر . واصبحت العلاقة تسوء بينه وبين القائد وهكذا أصبحت الريادة لى فى هذا المجال وجاء يوم عليه قال له القائد مثلما قال لى بالضبط وامام الكل ايضا قال له لاأرى وجهك هذا ثانية هنا ظل فى مبناك لاتبارحه الا بإذنى فكأنما وضع الثلج على موضع الألم فطيبه .
ولكن ما فائدة هذا كله وابنائنا يعانون أشد المعاناة فى جميع المجالات . مافائدة التعليم ونحن واثقون عن عجزنا عن اسعادهم ؟ فالحياة مليئة بالشراك والمصائد , محفوفه بالمظالم والآلام والأحزان . سيخوضون غمار معركة من أشد المعارك تطاحنا وهولا , على حين انه لم يسلحهم الا بقشور من العلوم النظرية , وششقة لسان ان لم تكن تضر فهى لاتنفع . كم كان يود الانسان ان يكون محاميا . انه يحس فى نفسه المقدرة على الفهم واستخلاص المبادىء وسلامة المنطق . ود زين لو أنه استطاع ان يدافع يوما عن مظلوم , أو يرد حقا الى صاحبه .. ولكنه عاجز .. فمما يكرب نفسه انه يرى المظالم تتزايد امامه يوما بعد يوم ولانصير ولا أمل له فى أن يرى نهايتها أو يرى عالما تسوده العدالة .
مع خالص تمنياتى بزمن يعود اليه العدل وتسوده المحبة والود ولا يكون فيه كره اخوة متحابين ويكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فهل سيتحقق هذا المطلب اشك فى هذا فى زمن كزماننا اصبحت المادة هى المسيطرة على كل شىء والمحسوبية والمعارف الى آخره من المسميات التى أصبحت سائدة فى هذا العصر ولكن ليس لى سوى التمنى والدعاء .....................
الشاعر................ عاشق العروبة