(حكم قراقوش )
يعد عصرالخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله من اغرب العصور فى تاريخ مصر الاسلامية . عصر تطبعه الوان من الدهشة والتناقض وتقدم لنا الرواية الاسلامية عن هذا العصر الحاكم فى صورة مثيرة .
احيانا طاغية جبار مضطرم الأهواء والنزعات .... واحيانا متناقض الرأى والتصرفات ... شرسا لايستقر على ثقة او صداقة يغلب عليه فقدان الرشد والاتزان .
ولقد شغف الحاكم بالليل وراح يعقد مجالسه ليلا ويواصل الركوب كل ليلة يجوب الشوارع والأزقة . وفى عهده صدرت مجموعة من الأوامر المدهشة والعجيبة رغم ان الحياة الاجتماعية خلال العصر الفاطمى تميزت بمظاهر البذخ الشديد وبناء القصور ذات الابواب الذهبية . كما تميزت بالاحتفال بالآعياد الدينية بشكل يتسم بالترف الزائد .
فقد منع الخليفة الحاكم بأمر الله الملوخية لآنها محببة الى الخليفة الأموى معاوية بن ابى سفيان . ومنع الجرجير المنسوب الى السيدة عائشة .
وفرض قوانين شديدة على النساء ومنعهن من الخروج ليلا منذ العشاء وأصدر قوانين بمنع النساء من السير خلف الجنازات كما امر بمنع خروجهن الى السوق والحمامات وحظر عليهن التطلع من النوافذ والوقوف فوق اسطح المنازل وبلغ من حرصه على ذلك بأن منع صانعى الأحذية من صنع احذية للنساء حتى يتعذر عليهن الخروج الى الشوارع واصبح من اثر هذه السياسة التى اتبعها الحاكم ازاء النساء ان اعتكفن فى بيوتهن .
فرض حظر التجول ليلا ...
ونهى الحاكم بأمر الله الرجال عن الجلوس فى الحوانيت ومنع الناس من التجول فى الطرقات من بعد العشاء الى مطلع الفجر . واتبع ذلك باصدار قوانين تحرم على الاهالى فتح محلاتهم ليلا .. كما حرم الحاكم التجمعات للتنزة على شاطىء الخليج المصرى بالقاهرة وامر بسد الأبواب المؤدية الى تلك الأماكن وفرض قيودا على أنواع المأكولات والمشروبات ومنع بيع الزبيب واستيراده حتى لايصنع منه خمرا وحظر شراء أكثر من ارع ارطال من العنب دفعة واحدة خشية استعماله فى صنع النبيذ وامر كذلك بإتلاف اشجار الكروم . كما امر بمنع الطبول والأبواق والأغانى . ومنع عجن الخبز بالأرجل .كما أمر الا يصطاد الصيادون سمكا بغير قشر . وانذر المخالفين بالعقاب الشديد كذلك نهى عن ذبح البقر سوى فى عيد الأضحى المبارك وراح الحاكم يعاقب كل من تسول له نفسه مخالفة هذه الأوامر بالجلد أو بقطع الرأس او بالقتل باحدى الطرق العديدة التى تفنن هذا الخليفة الغريب الاطوار فى ابتداعها .
الشوارع خلت من الكلاب ....
وامر الحاكم ايضا بتتبع الكلاب وقتلها واعدموا جميع الكلاب كلها حتى خلت منها الطرق والمنازل وقيل ان السبب فى ذلك ان الحاكم كان يسير ذات ليلة واعترض طريقه كلب وقيل انها تكثر النباح ليلا وتزعجه .
اعتلى العرش فى سن الحادية عشرة ...
يقال انه اعتلى العرش فى سن الحادية عشرة وقضى خمسة سنوات من عمره تحت وصاية ضعيفة مما جعله يتخبط فى ادارة شئون البلاد وكثيرا ماركب حماره الأشهب وجاب شوارع المدينة يتجسس على الناس للاطلاع على ارائهم وما يجيش فى نفوسهم نحوه . حتى صار الليل بالنسبة اليه نهارا والنهار ليلا . وكثيرا ماتعرض لقسوته اقرب الناس اليه من الوزراء وغيرهم .
ونقلت الينا الروايات احاديث ونوادر كثيرة عن المناظر التى تقترن بماينزع اليه الحاكم من الأهواء العنيفة .
ومن ذلك ان يأمر بحرق شون القمح ليتمتع بمرأى النيران ولقى ذات مساء عشرة من الناس سألوه الاحسان فأمرهم بأن يتقاتلوا فيما بينهم والذى يبقى يعطيه من الاحسان فتقاتلوا حتى بقى منهم واحدا القى عليه الدنانير فلما انحنى كى يأخذها عاجله بسيفه فقتله .ولقد حكم مصر لمدة عشرة سنوات من 395 هـ حتى 405 هـ واتسم حكمه بنزعاته الدموية ومن غريب تصرفاته ان ان قبض على جميع املاك زوجته وامه واخته وعماته وخواصه وجواريه وسائر اقطاعاتهن واموالهن دون ان يفهم احد الحكمة من ذلك التصرف او بواعثه ثم اعاد الأمور الى نصابها فيما بعد .
متقشف فى حياته العامة ...
وعلى الرغم من سياسته العنف التى اتبعها الا انه ظل متقشفا فى حياته العامة والخاصة . كما انه عنى عناية خاصة بتنظيم القضاء وتطهيره من الرشوة ووجه اهتمامه لمطاردة العابثين بالأمن . ومع انه يؤثر البساطة الا انه كثيرا مايسرف فى العطايا والهبات . واهتم ايضا برصد النجوم ومعرفة ماورائها من الاحداث وصار يشجع الفلكيين والمنجميين ويغدق عليهم العطايا والمنح حتى اخذ المنجمون يسيطرون على عقول كثير من الناس . واقام الحاكم له مرصدا بجبل المقطم لرصد النجوم ويقضى به الليالى الطويلة حيث يسبح فى تفسيرها .
وحاول فى اواخر عهده ان يحيط نفسه بسياج من التقديس رغبة منه فى جعل رعاياه طوع امره .
واكتنف الغموض نهايته بأن ركب فى ليلة الاثنين السابع والعشرين من شوال سنة 411هـ ( 1021م) قاصدا جبل المقطم وانه لم يعرف بعد ذلك مصيره . حتى ان بعض المؤرخين قالوا ان اخته ست الملك دبرت له مكيده لقتله وخاصة ان الحمار الذى كان يركبه والملابس التى يرتديها وجد عليها اثار دماء غير انه لم يعثر على جثته . وظل الناس زمانا يترقبون عودته وهذا لم يحدث .
ويحتار المؤرخون والباحثون فى تفسير مايفعله الحاكم بامر الله الذى اضطربت احوال الحياة الاجتماعية فى مصر خلال ايامه هل هى نزعة حاكم مستبد أم أن ماأحدثه يعود الى ضعف قواه العقلية .
مع خالص تحياتى الشاعر.................عاشق العروبة