[center]الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبعد..
على أبواب رمضان:
ها هو رمضان وقد قرب مجيئه بنوره وعطره وخيره وطهره، يجيء ليربي في الناس قوة الإرادة وعظمة التغيير، في تحمل الشدائد، والانتصار على العقبات، ومصاعب الحياة، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يهنئ أصحابه عند مجيء رمضان، ويبشرهم ويقول لهم: "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حرم" (أخرجه أحمد).
رمضان والتغيير
يعد تغيير نفوس الأفراد والأمم والشعوب قضية الوقت الحالي، وهي سنة من سنن الله في الكون، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11)، فتغيير الحال لا يكون بالتمني والأماني، ولكن بالعمل الجاد والنية الخالصة والسلوك القويم، وشهر رمضان الكريم فرصةٌ حقيقية للتغيير، فهو البرنامج العملي لإصلاح النفوس والقلوب، والبداية الحقيقية في بناء الأمة:
لا تقل: من أين أبدأ طاعة الله البداية
لا تقل: في الغد أبدأ ربما تأتي النهاية
فرمضان شهر التغيير، لإحداث نقلةٍ رُوحية وجسدية تُصلح أوضاعنا وتُغيّر ما بداخلنا، والتغيير الإيجابي يحتاج منا جميعًا إلى إرادة فتية، وعزيمة قوية، وسعي للتغيير، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة).
فإن لم نغتنم شهر التغيير، ضاعت منا فرصة العمر، فالتغيير يعني الاستمرار على الحق، والثورة على الزور والتدليس واللغو والباطل، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدَعْ قولَ الزور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه" (البخاري)، ويقول: "ليس الصيامُ من الأكل والشراب، إنما الصيامُ من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقُل: إني صائم إني صائم" (أخرجه الحاكم وصححه الألباني)، وإنما ذلك لمن صدق مع خالقه، فيصدقه الله فيما يعمل.
وإن من أعظم ثمار التغيير في رمضان: التسليم لحكم الله، وتنفيذ أوامره وشريعته، ليحصل الفرد على تقوى الله في كل أحيانه، فرمضان الذي يغير بطبيعته الحياة ككل كفيل لإحداث التغيير في حياة الفرد والأسرة ببرنامجه الرباني المتميز.
وإن من أجل صور التغيير في رمضان: دقة والتزام وتنظيم للأوقات، فترى الأمة بكاملها تجلس على مائدة الإفطار تنتظر الإعلام بالفطور، والأمة بكاملها تمتنع عن الطعام والشراب والجماع ساعة الإمساك، وترى الأمة صافة في الصلاة والقيام والتراويح؛ حيث يتجلى لكلِّ مشاهد من أعلى أو من بعيد مشهد أمة في غاية النظام والدقة والترتيب.
ومن أروع ساعات التغيير في رمضان: ساعة الإفطار لا تأخير، ولا دقيقة واحدة، وقد نبه- صلى الله عليه وسلم- على ذلك فقال: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور"، مما يؤكد العلاقة الوثيقة بين رمضان والأمة بأسرها.
ومن أكمل أحداث التغيير في رمضان: أن نحافظ على نعمة الله علينا بالثورات الشعبية ومكتسباتها، إن سرعة التغيير الذي حدث ويحدث لآية ربانية بأن تحقيق هذه السنة الكونية في استطاعة الإنسان، وها هي الفرصة قد حانت في رمضان؛ لتحقق الشعوب العربية ثوراتها وتنال حريتها، فسلمية التغيير التي تتمسك به الشعوب، ووعيها المستمر بثوراتها، والحفاظ عليها برغم ما يواجهها من تحديات، كانت صناعة من الله وحده، فوجئ بها الغرب والشرق، كما فوجئ بها الساسة وعلماء الفكر من المسلمين وغيرهم.
ومن أقوى مواقف التغيير في رمضان: كسر حاجز الخوف والرهبة، الذي أكد أن القوة الحقيقية في اللجوء إلى الله والاستعانة به، وبهذا لا يستطيع طاغية أن يستعبد شعوبنا مرة أخرى، ولا يفرض عليها أنواعًا من الظلم والطغيان، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾ (القصص).
وأخيرًا: رمضان شهر تغيير الأمة وإصلاحها:
فهو من أعظم الشعائر التي تسهم في جمع الأمة العربية والإسلامية بكلِّ دولها ومذاهبها ولغاتها وأعرافها؛ حيث يتفق جميع أبناء الأمة في العالم على أن الصيام في رمضان فرض واجب من أركان الإسلام.
وفيه الحرص على إخراج زكاة المال؛ حيث تسهم في علاج مشكلات البطالة والجريمة في آن واحد، كما تسهم في إنهاء الفقر العالمي، فالإحصائيات تشير إلى أن هناك أكثر من مليار ومائة مليون فقير فقرًا شديدًا في العالم.
وفيه زكاة الفطر يخرجها المسلمون المحتاج منهم وغير المحتاج، لإحداث تكافل حقيقي، وهذا مما تؤكده أكثر من مائة وثلاثين آية في القرآن الكريم، ومئات من الأحاديث النبوية في الحثِّ على الإنفاق وبذل المال لكلِّ محتاج، مسلمًا أو غير مسلم.
وهو يؤكد على استقلال الأمة، فيما تتميز به أمام هجمة العولمة الداعية إلى التحلل من القيم والأخلاق، فالأمة الإسلامية لها صبغتها، يقول تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)﴾ (البقرة).
ويذكر بانتصارات الأمة عبر تاريخها، فأكبر نصرين في عهد النبوة غزوتا بدر وفتح مكة كانتا في رمضان، وفتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد كان في 28 من رمضان سنة 92هـ، وموقعة عين جالوت التي هُزم فيها المغول كانت في 15 من رمضان سنة 658هـ، وكذا نصرنا الله في العاشر من رمضان سنة 1383هـ (السادس من أكتوبر 1973م) على الصهاينة المغتصبين لأرضنا ومقدساتنا، وذلك وفقًا لوعد الله رب العالمين القائل: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾ (الروم)، فنحن بالتغيير في رمضان، نكون أقرب لنصر الله القريب ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51)﴾ (الإسراء).
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم